الفكر بين الكبت والانحلال

الهيستريا التحولية: ارتكاس عُصابي نفسي ناشيء عن كبت شديد للأفكار أو الدوافع يتخذ شكل اعتلال حسي أو حركي أو يتحول إلى هذا الاعتلال ..(مُعجم الفلسفة )..

استوقفتني هذه العبارة حين مررت بها ذات قراءة ..وتساءلت : أيمكن أن يتطور الكبت يوما ليأخذ شكل اعتلال حسيّ / حركي..؟!

الكبت الفكري يولد الانفجار .. والتحرر الفكري يولد الانحلال ..

لابد للفكر من حرّية حتى يروّج أفكاره ومعتقداته ومادام الكمال منتفٍياً عنا فمهما نضج الفكر لا بد أن يطاله نقصٌ وقصور .. ولذا كان َ محتاجاً في الوقتِ ذاته لـ قيود وبنود يسير عليها كي لايجنح عن جادة الصواب .. الفكرة قشرة ُ الفكر .. وبُنيّة المرء، تنفصل من عقله كـقطعة منه فلا ريبَ في دفاعه عنها فالفكرة لم تخرج للملأ إلا باقتناع ِ ربّها بها ..ولـ تنمو الفكرة تحتاج لمن يسقيها ويشذّب جوانب القصور والنقصِ فيها وإلا فلن تؤتِ ثمارها..

إن مكمن الخلل في مُعاداة من يضادها، والتعصب لها .. وهُنا يكون الفكر مُنغلقا ً على نفسه .. وسـ يغدو بفكره كـ ثور ٍ جائع ٍ وَعصا، طرفها مشدودٌ إلى رأسه وطرفها الآخر به علفٌ يُسكت جوعه فهو يعدو ، ويُثير بعدوه نقعا ً .. يكدُّ نفسه ؛ يريد بلوغه وماهو ببالغه !

إن ديننا أول من دعى لإعمال الفكر ..وأبسط صور ذلك : جعله التأمل في ملكوت الله عبادة بل..و أسمى عبادة تثبتُ وجود خالقٍ لهذا الكون .. فجعل تعبد المرء لخالقة اقتناعاً ورضىً ، لا كبتاً وقمعاً..

عند إثارة مثل هذا الموضوع لا بد أن أتناول فئتان :

1. الفئة المنحلّة من المفكرين الذين أفرطوا وجعلوا من الفكر كائن وحشي متمرد على الحدود والأعراف لا يحده حد ولا يرده قيد ، تؤمن هذه الفئة بأنه كلما ارتفع سقف الرقابة كلما ازدادت قيمة النص الإبداعية!!

هؤلاء يرون بعزل الأعراف والقيم والدين عن الكتابة .. لأنها مما يُقيّد إبداعهم وحرياتهم في التعبير!!

ومايؤسف : إيمان بعض حديثي العهد بالكتابة بفاعلية مثل هذه القاعدة ، وأنها أقصر الطرق للشهرة والقبول ..وانتهاجهم لها في نتاجاتهم الفكرية البكر إلى درجة تجعل من يقرأ يحتاج لعملية تطهير طويلة الأمد مما عَلِق بفكره!

2. الفئة المكبوتة: هذه الفئة أخطأت حينَ حصرت فكرها في أطـُرٍ معينة وجعلت خروجهم منها تجاوزاً للخطوط الحمراء !

إن أساس الفكر الحرية .. أعني الحرية الموجهة ، المتزنة ، الواعية ، إذ وحدها متنفس الفكر ..

وعليه ، فالتقليد نتيجة حتمية لهذه الفئة :/

التنطع الفكري لن يُنتج ما يجعل منه رسالة توصل المُراد!

خلاصةُ الأمر : قمة ونضوج الفكر في سلوكه للوسطية ؛ فالإنسان المتزن السويّ يجنح للتوسط والإفراط والتفريط خللٌ طاريء على الفكر !

لم تكن الوسطية لتقيد الفكر يوما .. هي خطوط مستقيمة ومساحات شاسعة بيضاء رحبة ، مُضاءة ، واعية !

ما أروع أن يلزم المفكرون التوسط ؛ أعني / يعطوا الحرية لعقولهم كي تفكر .. وفقَ ثوابت وأسس في حيودهم عنها فسادٌ لـ عقيدتهم ومعتقدهم !

ليست هناك تعليقات: